المكتبة/سياسة/قرآن وسيف
قرآن وسيف
رفعت سيد أحمد
سياسة
مكتبة مدبولي
L.E. 25 : $ 4.24
   
مقدمة الكتاب:

طويلة هي قصة الإسلام السياسي في شرقنا العربي، معقدة فصولها، متداخلة أبعادها وأفكارها، وهي تزداد طولاً وتعقيداً وتداخلاً في أجواء الاستقطاب والعنف العالمي الذي نعيشه بعد أحداث 11/9/2001 وضرب أفغانستان والتداعيات المستقبلية على فلسطين والشرق العربي. وإذا كان الإسلام قد حسم عبر موروثه العقائدي والفكري والحضاري علاقة الدين بالدولة، واعتبر مجرد الفصل ولو نظرياً بينهما شكل من أشكال التجني وعدم الدقة والأمانة العلمية والتاريخية، وأن الإسلام في جوهره وعبر تاريخه ومنظومته، دين ودولة، وحي عقل، أولى وآخرة، فإن الخلاف نشأ حين اشتط طرفا العلاقة، دعاة التشدد الديني من ناحية أو دعاة علمنة الدولة والغلو الديني من ناحية أخرى، إن الخلاف وقع أيضاً حين اقتحم المستعمر الغربي عبر وكلائه من المثقفين والمفكرين والحكام، قيم الشرق وإسلامه مع عمليات اختراقه اقتصادياً وسياسياً، فأنشأ عمداً، وبعد ذلك طوعاً، مسألة الشطط بشقيها الديني والدنيوي، التي بدورها أعادت طرح القضية بتشويه كبير وصار السؤال عبر قرنين من الزمان: هل الإسلام دين فحسب؟ هل هو مثل المسيحية في نطاق تعاملها مع المجتمع ونظم الحكم؟ أم هو غير ذلك: دين ودولة، قيم إسلامية توجه الحاكم وتواجه المستعمر وتبني وتعمر الحياة؟! لقد كان القرن التاسع عشر، وتحديداً بعد قدوم حملة نابليون بونابرت (1798م) هو البداية. وإن سبقتها إرهاصات، ومقدمات أخرى طويلة منها حركة التجديد الفقهي والفكري التي استفتحت بابن عبد الوهاب في نجد في القرن الثامن عشر (1703-1791) وتقوم على التوحيد المطلق، وترفض فكرة الحلول والاتحاد، وتؤكد مسؤولية الإنسان وتمنع التوسل بغير الله، وتدعو لفتح باب الاجتهاد، وظهر محمد بن نوح الغلاني في المدينة (1752-1803) كما ظهر ولي الدين الدهلوي في الهند (1702-1762) وفي اليمن ظهر محمد ابن علي الشوكاني (1758-1823) ثم الشهاب الألوسي في العراق (1802-1854)، وفي المغرب ظهر محمد بن علي السنوسي (1778-1859) ثم ظهر في السودان محمد بن أحمد المهدي (1843-1885). ونلحظ أن هذه الدعوات التجديدية الإصلاحية كانت ظاهرة عامة من منتصف القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريباً، وأنه برغم الخلافات التي تبدو بين هذه الدعوات وبعضها، فهي جميعاً تكون حركة تجديدية، وهي جميعاً تتفق في دعوتها للتجديد ونبذ التقليد وفتح باب الاجتهاد. ولكن وبعد مجيء الحملة الفرنسية استقر الخلاف بين دعاة عزل الإسلام عن مجمل أمور الحياة، وبين أصحاب الغلو من الطرف الديني، حتى جاءت الحركات الإسلامية العنيفة في الرؤى، والفعل، والتي مثلت وبالتحديد في النصف الثاني من القرن العشرين، حالة انقطاع كاملة عن التاريخ وليس فقط عن الواقع، انقطاعاً عن تاريخ من الاجتهادات والأفكار الكبيرة، لدعاة كبار، وذهبت مباشرة إلى (ابن تيمية) مثلاً، دون المرور على الأفغاني وعبده الكواكبي والنديم ورشيد رضا، بل وأبو زهرة وشلتوت والعقاد وغيرهم. إن دعاة الإسلام السياسي، أي الإسلام الذي يستهدف الحكم تغييراً أو تحكماً وسيطرة، مثلوا عبر القرنين الماضيين، ملحمة من الفعل المتماهي في فكر لا يرى في الإسلام إلا شقه (المقاتل) الهادف للسلطة، والراغب فيها، لقد سقط من بين حساباتهم الإسلام الداعي بالحسنى، الإسلام الباني للعمران والمؤسس للحضارة، وضاق بهم الأمر وضاق منهم، فأوجز الإسلام في "رأس السادات" مثلاً أو تهديدات "بن لادن" عبر "الجزيرة"، وهو بالتأكيد أكبر من ذلك وأعمق. حول هذه القضية، بكل تفاصيلها وأفكارها، وأطروحاتها، يقدم الدكتور رفعت سيد أحمد دراسته "قرآن وسيف، من ملفات الإسلام السياسي" يزاوج فيها بين الفكر والفعل، بين الفقه والواقع، بين الرؤية والعمل لدى مثقفي وقادة هذه التيارات الإسلامية، ولدى كبار فقهاء الأمة خلال قرنين من الزمان، ولأن الفترة طويلة ومتشعبة القضايا والهموم، لذا جاء الحديث عنها في نطاق الكليات، ولدى كبار القادة وكبرى الحركات السياسية الإسلامية، في محاولة من المؤلف للإجابة على التساؤلات الكبرى التي طافت بعقل العالم وبعقولنا نحن المسلمين بعد أحداث واشنطن ونيويورك (11/9/2001م)؛ من قبيل: هل لو ثبت فعلاً أن خلف هذه العمليات (التي أعادت أمريكا قيماً ودوراً وواقعاً إلى دولة من دول العالم الثالث) تنظيمات إسلامية متشددة فهل في الإسلام ما يدفع إلى مثل هذا الفعل؟ هل في تاريخنا القريب أو البعيد عبر القرنين الماضيين تحديداً، ما يؤسس لفعل العنف المسلح تجاه أعداء الأمة، المفترضين، حتى لو طال أبرياء عزل؟! هل "الإسلام السياسي" وبخاصة في شرقنا العربي (على اعتبار من قام بالفعلة عرباً أقحاح) يمتلك تجارب متشابهة تتماهى ومثل هذا الفعل؟ وأين ما نسميه بفقه الأولويات، الذي كان ينبغي أن يدفع الجميع "الإسلامي" إلى فلسطين بدلاً إلى أفغانستان، و"إسرائيل" بدلاً عن أمريكا؟!! وما هي آفاق المستقبل لهذا النمط من الإسلام السياسي، وقد أحاطت به الأعداء من كل صوب من الداخل قبل الخارج؟! تساؤلات يحاول الدكتور رفعت سيد أحمد الإجابة عليها من خلال هذه الدراسة، بموضوعية كاملة وبتجرد وضمن ثلاثة أجزاء مركزاً في الجزء الأول على رحلة هذا (الإسلام السياسي أفكاراً وأحداثاً) من (الأفغاني إلى بن لادن) وفي الثاني يعالج دلالات الحدث الكبير، حيث 11 سبتمبر/أيلول 2001 المتمثل في ضرب برجي (التجارة العالمي) ومبنى البنتاغون في واشنطن ونيويورك وما تبعه من ضرب أفغانستان وإسقاط لحكومة طالبان ومحاولة قتل لأسامة بن لادن ظناً من إدارة بوش أنه الفاعل الرئيسي للأحداث، أما الجزء الثالث فخصصه المؤلف لشهادات غريبة (5 شهادات) ولوثائق دولية على الحدث (16 وثيقة).